• بگرد
  • بازیابی گذرواژه

حديث مختصر عن نهج البلاغة

المقدمه لكتاب:دروس من نهج البلاغة
لسماحة آية الله العظمى الشيخ حسين علي المنتظري –أدام الله ظله الوارف-
الترجمة بلغة العربية ماخوذ من الموقع منتديات شيـعة أهـل البيت
حديث مختصر عن نهج البلاغة. “بقلم: عماد الدين باقي”

لماذا أصبح نهج البلاغة مخلدا؟ لماذا نرى ان كل من يطلع على نهج البلاغة، من أي دين أو مذهب و عقيدة كان، سواءا شيعيا أو سنيا، و مسيحي أو يهودي، و حتى الماركسي، حينما يطلعون على هذا الكتاب، يقدرونه و يخضعون أمامه؟

لو نظرنا إلى الكتب التي كتبت حتى الآن حول الإمام علي عليه السلام و حول نهج البلاغة، نرى المؤلفين من مختلف الجنسيات و المذاهب و المكاتب الفكرية قد عظموا و أجلوا عليا عليه السلام، حيث لو يتعرف أي فرد على علي، سوف لن يتركه.

و ها هي أحاديث نهج البلاغة لاتزال لم تفقد طراوتها و حلاوتها رغم مرور 1400 عاما، و كل من يقرأ هذا الكتاب يقر بذلك.

إن بعض النظريات و الأفكار الثورية التي طرحت مؤخرا و التي تركت تأثيرا هائلا في هذا القرن، قد طرحت من قبل أئمة الشيعة، بشكل أقوى و أكثر إيمانا من قبل.

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى النقل الصحيح لميراث أئمتنا و ذلك إلى جيلنا الصاعد، و هذا الإحتياج أشد من إحتياجنا لنقل الكنولوجيا الحديثة -رغم ان هذه العلوم أيضا ضرورية و نحتاج إليها في وقتها المناسب-، و من هنا يجب علينا أن نخرج مرجعا عظيما كنهج البلاغة من أقفاص المكتبات إلى منهاجنا الإجتماعية و حياتنا اليومية.

و هذا الكتاب الذي بين أيديكم جاء في هذا المضمار، ليزيد من المعرفة ، و علينا أن نهتم بثقافة المعرفة أكثر من ثقافة التعريف.
إن الإمام علي عليه السلام، مخلد إلى الأبد، و في الأبدية لا يتدخل أمر الزمن، لأنها تفوق الماضي و الحاضر و المستقبل… و أحاديثه ايضا ليست مرتبطة بالتاريخ، بل إنها أحاديث اليوم، ومن هنا يعتبر نهج البلاغة ميراثا خالدا للإنسان.

إننا نجد إن الكثير من آثار الماضين تشملها مرور الزمن و تمحى أو تدخل المتاحف، و نادر ما نجد أنها تبقى، و البعض منها تبقى بإعتبارها علم الثقافة و التاريخ، و لاتنفع للزمن الحاضر.لكن نهج البللاغة لم يكن فكرا تاريخيا، بل أصبح باقيا و جاريا وهو من ضرورياتنا، و لم يحدد بالزمان و المكان، بل أصبح عينا نابعا و عذبا يحتوي أنواع المعارف، و لو لم يقرأه شخص على الأقل و لو لمرة واحدة، فإنه سيكون خاسرا.

عن سابقة و إعتبار نهج البلاغة:

توفي السيد الرضي رضوان الله تعالى عليه ، عام 406 و كان عمره 47 عاما، تاركا آثار و تأليفات متعددة، و كتاب نهج البلاغة من أشهره و الذي حضي بشهرة عالمية، و قد ترجم إلى مختلف اللغات منذ القرن الرابع و تحول ليكون إثرا خالدا عبر العصور.
لقد إختار السيد الرضي من خطب و كلمات و رسائل أميرالمؤمنين سلام الله عليه، ما كان يراه أفصح و أبلغ من حيث الفصاحة و البلاغة.

من هنا فإنه من المؤسف جدا أن ما جاء في هذا الكتاب هو عبارة عن قسم محدود من حكم و كلمات الإمام و لم يجمع كل أحاديثه سلام الله عليه.

إنتهى تأليف الكتاب عام 400 للهجرة و هو عبارة عن: 237 خطبة، و 79 رسالة، و 480 حكم قصيرة.(1)
إن نهج البلاغة من حيث العمق و البلاغة و المحتوى يصل إلى درجة قد لقب بـ”أخ القرآن، ويوصف أنه ما دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق، و يعتبر أعلى و أفضل تفسير للقرآن الكريم.

إن مجموع الشروح و التفاسير التي ألفت حول نهج البلاغة تصل إلى المئات من الكتب بلغات مختلفة و بواسطة علماء من مختلف المذاهب، الشيعة و السنة و حتى المسيحيين.

و قد ذكر في كتاب “حول نهج البلاغة” 50 نموذجا عن تلك الكتب مع أسماء المؤلفين، و البعض من هذه الكتب تتكون من عدة مجلدات.(2)

و في كتاب “موسوعة نهج البلاغة” ذكر 370 شرحا و تفسيرا لنهج البللاغة، ولكن كما يقر المؤلف انه ما استطاع أن يذكر جميع المصادر و الشروح لنهج البلاغة.(3)

وفي كتاب” لنتعرف على نهج البلاغة” ذكر مفهرس لـ21 نسخة خطية قديمة، و كذلك 16 كتاب للشرح باللغات الإنجليزية و الأردو و الفارسية و العربية.(4)

نهج البلاغة، ميراث من علي صلوات الله ‏و سلامه عليه:

كانت كلمات الإمام علي سلام الله عليه موجودة بصور متفرقة في كتب التاريخ و الحديث، في فواصل القرن الأول حتى القرن الثالث، و بدأ السيد الرضي بجمع تلك الكلمات في أواخر القرن الثالث، و حاليا يمر ألف عام على عمر هذا الكتاب الشريف، رغم ان قبل ذلك سعى أشخاص آخرون أيضا بجمع خطب و كلمات الإمام علي سلام الله عليه، إلا أن عمل السيد الرضي كان يتميز بميزة خاصة ولذلك أصبح لامعا و باقيا، حيث كان يختار الخطب والكلمات. (5).

وبما أن السيد الرضي على خلاف ما كان يعمله سائر مؤلفي كتب الحديث، لم يورد أسانيد و رواة الحديث، و أكتفى فقط بذكر كلمات الإمام، أخذ بعض المحققين يتسائلون حول أسانيد نهج البلاغة، ولكن بعض المحققين الآخرين قد أجابوا على شكوك تلك الجماعة ويكفي من هذا القول أن الكثير من كلمات أميرالمؤمنين سلام الله عليه قد وردت في كتب الأحاديث لكلا الفريقين بشكل متفرق، و بإهتمام بعض المحققين جمعت أسانيده و مصادره، و على سبيل المثال الف كتاب “مصادر نهج البلاغة و أسانيده” بواسطة السيد عبدالزهراء الحسيني، وكتاب ” مدارك نهج البلاغة “بواسطة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء”.

ومن اليقين أن كتاب “نهج البلاغة” يعتبر من كتب الشيعة، و مفخرة لجميع المسلمين.

يقول الإمام الخميني: ” نحن نفتخر ان نهج البلاغة، بعد كتاب القرآن، و الذي يحتوى على أعظم القوانين لحياتنا المادية و المعنوية و منقذة للبشرية، و القوانين المعنوية و الحكومية فيها يعتبر أعلى طريق النجاة، من إمامنا المعصوم” (6).

خصائص نهج البلاغة:

إن هذا الكتاب رغم مرور قرون متمادية، لم يفقد جاذبيته و طرواته، بل كلما يمر الزمن يزداد أكثر جاذبية و طراوة، وهذا الإعجاز لم يكن إلا بسبب الشكل و المحتوى الموجود في هذه الكلمات، و لايمكن أن نرى هذه الميزة في أي كتاب آخر إلا في القرآن الكريم الذي قال عنه أميرالمؤمنين عليه السلام: “ظاهره أنيق و باطنه عميق، لا تفنى عجائبه و لا تنقضي غرائبه”. (7)
وفي كلام مشابه آخر: ” لاتحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه”، ومن هنا فإن نهج البلاغة أيضا قد إتبع و تأسى في شكله ومحتواه بالقرآن الكريم.

الميزة الأدبية:

يتحدث “جورج جرداق” الكاتب و الأديب المسيحي الشهير عن هذا الكتاب القيم قائلا:
” هل في مراجعتك لتاريخ الشرق، راجعت نهج البلاغة؟…

نهجٌ للبلاغة آخذٌ من الفكر والخيال والعاطفة آياتٍ تتّصل بالذوق الفنّي الرفيع ما بقي الإنسان وما بقي له خيالٌ وعاطفةٌ وفكر؛ مترابطٌ بآياته متساوق؛ متفجّر بالحسّ المشبوب والإدراك البعيد، متدفِّقٌ بلوعة الواقع وحرارة الحقيقة والشوق إلى معرفة ما وراء هذا الواقع؛ متآلفٌ يجمع بين جمال الموضوع وجمال الإخراج حتى ليَندمج التعبيرُ بالمدلول، أو الشكلُ بالمعنى، اندماجَ الحرارة بالنار والضوء بالشمس والهواء بالهواء؛ فما أنت إزاءه إلاّ ما يكون المرء قبالةَ السيل إذ ينحدر والبحر إذ يتموّج والريح إذ تطوف. أو قبالةَ الحَدَثِ الطبيعي الذي لابدّ له أنْ يكون بالضرورة على ما هو كائنٌ عليه من الوحدة لا تفرّق بين عناصرها إلاّ لتمحو وجودَها وتجعلها إلى غير كَوْن!

بيانٌ لو نطق بالتقريع لانقضّ على لسان العاصفة انقضاضاً! ولو هدّد الفساد والمفسدين لتَفجّر براكينَ لها أضواءٌ وأصوات! ولو انبسط في منطقٍ لَخاطَبَ العقولَ والمشاعر فأقفلَ كلَّ بابٍ على كلّ حجّةٍ غير ما ينبسط فيه! ولو دعا إلى تأمّلٍ لَرافقَ فيك منشأ الحسّ وأصل التفكير، فساقك إلى ما يريده سَوْقاً، ووصَلك بالكون وصْلاً، ووحّد فيك القوى للاكتشاف توحيداً. وهو لو راعاك لأدركت حنانَ الأب ومنطق الأبوّة وصدْقَ الوفاء الإنساني وحرارَةَ المحبّة التي تبدأ ولا تنتهي! أمّا إذا تحدّثَ إليك عن بهاء الوجود وجمالات الخلق وكمالات الكون، فإنّما يكتب على قلبك بمدادٍ من نجوم السماء!

بيانٌ هو بلاغةٌ من البلاغة، وتنزيلٌ من التنزيل. بيان اتّصل بأسباب البيان العربي ما كان منه وما يكون، حتى قال أحدهم في صاحبه أن كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق! (8)

و يتحدث جورج جرداق في كتابه الآخر (9) عن أسلوب نهج البلاغة قائلا:

هذا من حيث المادة. أما من حيث الأسلوب، فعليّ بن أبي طالب ساحر الأداء. والأدب لا يكون إلاّ بأسلوب، فالمبنى ملازمٌ فيه للمعنى، والصورة لا تقلّ في شيء عن المادة. وأيّ فنّ كانت شروط الإخراج فيه أقل شأناً من شروط المادة!

وإن قسْط علي بن أبي طالب من الذوق الفني، أو الحسّ الجمالي، لمَمّا يندر وجوده. وذوقه هذا كان المقياس الطبيعي الضابط للطبع الأدبي عنده. أما طبعه هذا فهو طبع ذوي الموهبة والأصالة الذين يرون فيشعرون ويدركون فتنطلق ألسنتهم بما تجيش به قلوبهم وتنكشف عنه مداركهم انطلاقاً عفوياً. لذلك تميّز أدب عليّ بالصدق كما تميّزت به حياته.

وما الصدق إلاّ ميزة الفن الأولى ومقياس الأسلوب الذي لا يخادع.

وإن شروط البلاغة، التي هي موافقة الكلام لمقتضى الحال، لم تجتمع لأديب عربي كما اجتمعت لعلي بن أبي طالب. فإنشاؤه مثلٌ أعلى لهذه البلاغة، بعد القرآن. فهو موجز على وضوح، قويّ جيّاش، تامّ الانسجام لِمَا بين ألفاظه ومعانيه وأغراضه من ائتلاف، حلو الرنّة في الأذن موسيقيّ الوقع. وهو يرفق ويلين في المواقف التي لا تستدعي الشدة. ويشتدّ ويعنف في غيرها من المواقف، ولاسيما ساعةَ يكون القول في المنافقين والمراوغين وطلاّب الدنيا على حساب الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحقوق المهدورة. فأسلوب عليّ صريح كقلبه وذهنه، صادق كطويته، فلا عجب أن يكون نهجاً للبلاغة.

وقد بلغ أسلوب عليّ من الصدق حدّاً تَرَفّع به حتى السجعُ عن الصنعة والتكلُّف. فإذا هو على كثرة ما فيه من الجمل المتقاطعة الموزونة المسجّعة، أبعد ما يكون عن الصنعة، وأقرب ما يكون من الطبع الزاخر.

ويبلغ أسلوب عليّ قمّة الجمال في المواقف الخطابية، أي في المواقف التي تثور بها عاطفته الجيّاشة، ويتّقد خياله فتعتلج فيه صوَرٌ حارّةٌ من أحداث الحياة التي تَمرّس بها. فإذا بالبلاغة تزخر في قلبه وتتدفّق على لسانه تدفُّق البحار. ويتميّز أسلوبُه، في مثل هذه المواقف، بالتكرار بُغيةَ التقرير والتأثير، وباستعمال المترادفات وباختيار الكلمات الجزلة ذات الرنين. وقد تتعاقب فيه ضروب التعبير من إخبار إلى استفهام إلى تعجّب إلى استنكار، وتكون مواطن الوقف فيه قويّة شافية للنفس. وفي ذلك ما فيه من معنى البلاغة وروح الفن.

والخطباء العرب كثيرون، والخطابة من الأشكال الأدبية التي عرفوها في الجاهلية والإسلام ولاسيّما في عصر النبي والخلفاء الراشدين لما كان لهم بها من حاجة. أمّا خطيب العهد النبويّ الأكبر فالنبيّ لا خلافَ في ذلك. أمّا في العهد الراشدي، وفي ما تلاه من العصور العربية قاطبةً، فإنّ أحداً لم يبلغ ما بلغ إليه عليّ بن أبي طالب في هذا النحو. فالنطق السهل لدى عليٍّ كان منْ عناصر شخصيته وكذلك البيان القويّ بما فيه من عناصر الطبع والصناعة جميعاً. ثم إنّ الله يسّر له العدّة الكاملة لمِا تقتضيه الخطابة من مقوّمات أخرى على ما مرّ بنا. فقد مَيّزَه الله بالفطرة السليمة، والذوق الرفيع، والبلاغة الآسرة، ثم بذخيرةٍ من العلم انفردَ بها عن أقرانه، وبحجّةٍ قائمة، وقوّة إقناع دامغة، وعبقريّة في الارتجال نادرة. أضفْ إلى ذلك صدقَه الذي لا حدود له وهو ضرورةٌ في كلِّ خطبةٍ ناجحة، وتجاربَه الكثيرة المرّة التي كشفتْ لعقله الجبّار عن طبائع الناس وأخلاقهم وصفات المجتمع ومحرِّكاته. ثم تلك العقيدة الصلبة التي تصعب مداراتها وذلك الألم العميق الممزوج بالحنان العميق، وبطهارة القلب وسلامة الوجدان وشرف الغاية.
وإنّه من الصعب أن تجد في شخصيات التاريخ مَن اجتمعت لديه كلّ هذه الشروط التي تجعل من صاحبها خطيباً فذّاً، غير علي بن أبي طالب ونفَرٍ من الخلق قليل، وما عليك إلاّ استعراض هذه الشروط، ثم استعراض مشاهير الخطباء في العالمين الشرقي والغربي، لكي تدرك أنّ قولنا هذا صحيح لا غلوّ فيه.

وابن أبي طالب على المنبر رابط الجأش شديد الثقة بنفسه وبعدْل القول. ثم إنه قويّ الفراسة سريع الإدراك يقف على دخائل الناس وأهواء النفوس وأعماق القلوب، زاخرٌ جنانُه بعواطف الحريّة والإنسانية والفضيلة، حتى إذا انطلق لسانه الساحر بما يجيش به قلبه أدركَ القومَ بما يحرّك فيهم الفضائل الراقدة والعواطف الخامدة.
أمّا إنشاؤه الخطابي فلا يجوز وصفُهُ إلاّ بأنه أساسٌ في البلاغة العربية.

من الألفاظ ما هو فخمٌ كأنه يجرّ ذيول الأرجوان أنفَةً وتيهاً. ومنها ما هو ذو قعقعةٍ كالجنود الزاحفة في الصفيح. ومنها ما هو كالسيف ذي الحدّين. ومنها ما هو كالنقاب الصفيق يُلقى على بعض العواطف ليستر من حدّتها ويخفّف من شدّتها. ومنها ما له ابتسامة السماء في ليالي الشتاء! من الكلام ما يفعل كالمقرعة، ومنه ما يجري كالنبع الصافي.

كل ذلك ينطبق على خطَب عليّ في مفرداتها وتعابيرها. هذا بالإضافة إلى أنّ الخطبة تحسن إذا انطبعتْ بهذه الصفات اللفظية على رأي صاحب الصناعتين؛ فكيف بها إذا كانت، كخطب ابن أبي طالب، تجمع روعةَ هذه الصفات في اللفظ إلى روعة المعنى وقوّته وجلاله!

وخطَب علي جميعاً تنضح بدلائل الشخصية حتى لَكأنّ معانيها وتعابيرها هي خوالج نفسه بالذات، وأحداث زمانه التي تشتعل في قلبه كما تشتعل النار في موقدها تحت نفخ الشمال. فإذا هو يرتجل الخطبة حسّاً دافقاً وشعوراً زاخراً وإخراجاً بالغاً غايةَ الجمال.
وكذلك كانت كلمات عليّ بن أبي طالب المرتجلة، فهي أقوى ما يمكن للكلمة المرتجلة أن تكون من حيث الصدق، وعمق الفكرة، وفنّية التعبير، حتى أنها ما نطقتْ بها شفتاه ذهبتْ مثلاً سائراً.

نهج البلاغة من حيث المحتوى:

قيل: إن كلام علي عليه السلام فوق كلام البشر، و كنز ثمين من كنوز الفكر و العقيدة و المجتمع و الإقتصاد و السياسة، و الذي لم يدرك عمقه عظماء التاريخ الإنساني.

على سبيل المثال يمكن أن نشير إلى موضوع حساس و مهم في المجتمع، و هو أمر القيادة، و الذي يعتبر دائما من الأمور المهمة في جميع العالم.

في باب الخطب و الكلمات القصار لهذا الكتاب العظيم نجد أن القوانين و النظريات الإجتماعية و السياسية و الأخلاقية و القضائية قد وردت و كأنها في عصر تطور الحضارة و العلوم الإنسانية، بل إن الكتاب يتحدث أعمق من ذلك بشكل يدعو إلى التأمل.
إننا نرى في محتوى نهج البلاغة و ذلك منذ قرون متمادية قد ورد فيه أعلى و أسمى القوانين الإنسانية، كحق الحاكم على الرعية، و حقوق الناس على الحاكمين، و حقوق المعارضين، و طريقة إدارة الدولة، و دراسة النفسية الإجتماعية و آفات المجتمع و التنظيمات الإجتماعية و… مما يدل على أن عليا سلام الله عليه كان متقدما على عصره و جيله المعاصر بقرون، و يمكن القول إن السر من وراء بقاءه وحيدا هو هذا الأمر.

بما ان الكتاب الحاضر هذا هو عبارة عن شرح لنهج البلاغة، والذي يعتبر بمثابة سفينة كبيرة تجري في محيط هذا الكتاب العظيم، يستطيع من خلاله القارئ أن يستعين به للسير في نهج البلاغة و ذلك لدرك عمقه و سواحله و محتواه، لذلك قد تستغني هذه المقدمة ببيانها الناقص لوصف أهمية و محتوى نهج البلاغة، و يدعو القارئ لمراجعة متن هذا الكتاب.
ولكن نتسائل إن هذا الكتاب مخلوق من قبل من؟

روح علي عليه السلام العظيمة; ينبوع نهج البلاغة:

يقول الإمام الخميني عن شخصية أميرالمؤمنين سلام الله عليه العظيمة و إرتباطه بنهج البلاغة:
عن شخصية علي بن أبيطالب عليهما السلام، نتحدث عن حقيقته المجهولة مع معرفة محبوبه و مهجوره؟
إن علي عليه السلام كان بشر ملائكي و دنيوي، حيث حينما يريد أن يتحدث عنه الملكوتيين، يرونه كموجود ملكوتي فيقاس بالملكوتيين، و العرفاء يتحدثون عنه بسطح عرفانهم، و الفلاسفة و الإلهيون يعرفونه بعلمهم المحدود؟ على أي حد و درجة عرفوه لكي يعرفوه للجهال؟ إن العلماء و أهل الفضيلة و العرفاء و الفلاسفة مع كل فضائلهم و علومهم القيمة، جلما عرفوا عن الوجه الكامل للحق، قد وضعوها في حجابهم، و في مرآة نفسيتهم المحدودة، فالمولا غير ذلك الذي عرفوه.، إذن من الأولى أن لا ندخل في هذا الوادي، و أن نقول ان علي بن أبيطالب عليهما السلام كان عبدا لله، و هذا يعتبر أعظم صفة من صفاته، ونستطيع أن نذكره، و قد ترعرع و تربى عند النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم، و يعتبر هذا من أكبر مفاخره.
أي شخصية تستطيع أن تدعي أنها عبد لله، و انه قد إنقطع عن جميع العبوديات غير شخصية الأنبياء و الأولياء العظام و علي عليه السلام ذلك العبد المنقطع من كل شئ و المتصل بخليله الذي مزق حجب النور و الظلمات، و وصل إلى منبع العظمة و الحضارة، يكون في مقدمة الأنبياء و الأولياء.
إنه حقا “عبدالله”، و ترعرع عند “عبدالله الأعظم”.

أما كتاب نهج البلاغة الذي نبع عن روحه جاء ليعلمنا و يربينا نحن الذين لازلنا نائمين في غفلة المنية، و في حجاب الأنانية، و لذلك يعتبر دواءا و شفاءا و مرهما لكل الآلام الفردية و الإجتماعية، و منظومة ذو أبعاد بقدر إنسان أو مجتمع إنساني عظيم من زمن وجوده و كلما يمر التاريخ و تتوالد المجتمعات، و تتكون الحكومات و الشعوب، و يأتي الفللاسفة و المفكرين و المحققين، يغصون و يغرقون فيه.

ليأتي الفلاسفة و الحكماء و ليتدبروا في كلمات الخطبة الأولى من هذا الكتاب الإلهي، و ليستعينوا بفكرهم و فكر أصحاب المعرفة و أرباب العرفان، لتفسير هذه العبارة القصيرة، و بحق وجدانهم يسعوا لدركه حق الإدراك، ولكن على شرط أن لايخدعوا أنفسهم بتلك البيانات التي تطرح في الساحة، ولذلك فليحاولوا أن لايجعلوا ضمائرهم ألعوبة بها، و أن لايتحدثوا ثم يعبروا عن حديثهم، لكي يفهموا أحاديث إبن الوحي، وليعترفوا بقصورهم و قصور الآخرين، و هذه هي تلك العبارة:
” مع كل شئ لابمقارنة و غير كل شئ لابمزايلة”

إن هذه الكلمة و مثيلاتها من كلمات أهل بيت الوحي عليهم السلام، إنما هي تفسير و بيان لكلام الله في سورة الحديد، و جاء للمفكرين في آخر الزمن : [و هو معكم أينما كنتم] (10)” (11)

حينما نسمع أن الإنسان يعتبر أشرف المخلوقات و مسجود للملائكة، وفي هذه الحالة ننظر إلى أطرافنا، نرى أن غبار الشك يجلس على هذا الكلام، ولكن إن سرنا في تاريخ البشرية، و نرى محمد و علي و فاطمة صلى الله عليهم و آلهم و سلم و الحسن و الحسين صلوات الله و سلامه عليهما، و شهداء العدالة و الحرية، حينئذ سندرك مصداقية هذا الكلام، و نعرف أن اولئك الذين ابتعدوا عن هذه الثقافة –رغم إمتالكهم للحقوق الإنسانية- فإن ثقافتهم قد هبطت إلى حد المرتبة الحيوانية.

إن الإمام علي عليه السلام هو ذلك الروح العظيم الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى عند تغسيله و تدفينه، ولكن في تلك اللحظات كان يوجد أناس قد ذهبوا إلى السقيفة في غياب الإمام علي عليه السلام لكي يحصوا على حصة في السلطة و يمسكوا الخلافة بأيديهم، و مع ذلك لم يضحي أميرالمؤمنين عليه السلام بمصلحة المجتمع و الحكومة الإسلامية الفتية من أجل الخلافة، و يكفي هذا وحده من أجل معرفة عظمته.

و مع معرفتنا لمعارضي أميرالمؤمنين عليه السلام و أعدائه خلال فترة خلافته التي إستمرت خمسة أعوام – بعد خمس و عشرون عاما من حكومة الآخرين- اولئك المعارضين الذين كانوا من طبقة المترفين و الطماعين و طالبي السلطة و المتظاهرين بالتقدس، من خلال معرفتنا لاولئك أيضا يمكن معرفة أسلوب و طريقة الإمام علي بن أبيطالب عليهما السلام.
إن نهج البلاغة نابع من هذا الروح العظيم.

و من هنا فإن نهج البلاغة الذي يعتبر إقتباس من أحاديثه صلوات الله و سلامه عليه، أيضا يمثل روح أميرالمؤمنين سلام الله عليه العظيمة و أخلاقه و حكومته و أسلوبه في الحكم و…، و من خلاله نلمس شخصية ونرى كل صفحة من هذا الكتاب منشورا للحقيقة و نورا يضئ بكل لون وجه احقيقة و يخرج بلون و ثوب خاص يتحدث في كل المجالات، و كما يقول آية الله الطالقاني:
” إن الذي لايعرف الإمام علي عليه السلام سيشك في هل إن قائل هذه الكلمات هو شخص واحد!”(12)

فأحيانا يتحدث في ساحة الحرب، و أحيانا من على منبر الكوفة، و أحيانا في وحدته داخل البئر، يتحدث بتواضع قائلا: لا تكلموني كملوك كسرى، و يبكي في وحدته و يناجي و يتضرع و يضع جبهته على التراب و…(13)

لقد ورد في نهج البلاغة أمورا كالمبدأ و المعاد، و الخلقة، و الوحي و النبوة، و الأخلاق و السياسة، و الفلسفة و الأدب، و الإقتصاد، و المجتمع، و الحضارة و المدنية، و التاريخ، و القضاء، و رغم انه للأسف جمعت كل واحدة من هذه الأمور بشكل مختصر و مقتبس، إلا انه مثمر وموجز.

يتحدث مؤلف كتاب: ” مقدمة عن القيادة” عن الإمام علي عليه السلام قائلا: ” لم يرى التاريخ السياسي لنفسه حتى الآن زعيما عمليا كعلي عليه السلام”.

و كما يقول الشاعر: جمعت في صفاتك الاضداد * فلهذا ندت لك الانداد

زاهد ، حاكم ، حليم ، شجاع : * ناسك ، فاتك ، فقير ، جواد
و يقول إبن أبي الحديد المعتزلي شارح نهج البلاغة في القرن السابع: ” ماذا أقول عمن كان أعدائه و مناوئوه يعترفون بفضائله و كمالاته”.(14)

و إن ما قاله سماحة المرجع الأعلى آية الله العظمى المنتظري شارح نهج البلاغة في مقدمة هذا الكتاب عن الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام و صفاته، قد يغني عن تكرار ذلك، و إن هذه المعرفة عن سلام الله عليه و عن صفاته ستجعلنا أن نتعرف أكثر على روحه العظيمة و وحدته، و أن ندرك أكثر أحاديثه و كلماته، فإن هذه الشخصية العظيمة و الكبيرة لعلي عليه السلام قد جعلته وحيدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الطبعات المختلفة لنهج البلاغة، لايوجد إختلاف لمقدار محتوى الكتاب، لكن من حيث ترقيم الخطب، هنالك إختلاف جزئي في الأرقام، حيث نرى في بعضها أن تعداد الخطب تكون 236 أو 237 أو 239 أو 241 أو 242، و السبب في هذا الإختلاف، أن البعض إعتبر بعض الخطب أنها تابعة للخطبة المسبقة، و البعض يعتبرها خطبة مستقلة.
(2) كتاب” حول نهج البلاغة” للسيد هبة الله الشهرستاني- المترجم: السيد عباس ميرزا زاده أهري- الناشر مؤسسة نهج البلاغة، عام 1359 -ص 69-72
(3) موسوعة نهج البلاغة- رضا أستاذي- الناشر: مؤسسة نهج البلاغة- 1359
(4) كتاب” لنتعرف على نهج البلاغة” الناشر: مؤسسة نهج البلاغة
(5)حول نهج البلاغة- ص48-51، لنتعرف على نهج البلاغة-ص42-44
(6) صحيفة النور- ج 21، ص 171
(7) نهج البلاغة- الخطبة 18
(8) صوت العدالة الإنسانية- جورج جرداق- ص 21
(9) روائع نهج البلاغة- جورج جرداق – ص 25 إلى 31
(10) سورة الحديد – الآية 4
(11) صحيفة النور- ج14 –ص224 و225، رسالة الإمام الخميني إلى المشاركين في مؤتمر ألفية نهج البلاغة بتاريخ27/2/1360
(12) نهج البلاغة –آية الله طالقاني –ص 7
(13) نهج البلاغة- آية الله طالقاني –ص7
(14) شرح إبن أبي الحديد –ج1 –ص 16

نوشته شده توسط
عمادالدین باقی
دیدن همه یادداشت ها
گذاشتن پاسخ

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

In order to use the Instagram feature, please install and activate Meks Instagram Widget plugin .

نوشته شده توسط عمادالدین باقی